بين السعى وراء شيطنة تركيا و اراء اوباما

الوقت الذى يسعى فيه أنصار إسرائيل لشيطنة تركيا، صار الخطاب
الرسمى الأمريكى يتحدث عنها باعتبارها الحليف الذى «فقده الغرب»، والخطورة
أن البعض عندنا يردد منطق الأولين أو الآخرين دون تفكير.
فالحملة الشرسة التى أطلقها أنصار
إسرائيل استخدمت لوصف الأداء التركى مفردات مثل «الهستيرى» و«الأصولى»
و«المعادى للسامية»، بل وصل الأمر إلى أن اخترعت ليز تشينى «محور شر»
جديداً ضمت له تركيا إلى جانب سوريا وإيران واعتبرت هدفه الأساسى «تدمير
إسرائيل»!
أما موقف إدارة أوباما فعكسه تصريح روبرت
جيتس، الذى اتهم فيه أوروبا بالمسؤولية عن التحول التركى نحو الشرق، لأنها
رفضت انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، ورغم اختلاف الموقفين، فإن ما يجمع
بينهما هو أن كليهما يعتبر أمريكا وإسرائيل بريئتين تماماً. فبينما يلقى
جيتس باللوم على الأوروبيين، يحمِّل لوبى إسرائيل المسؤولية لأردوجان وحزبه
المتهمين الآن بكل شىء من «التآمر» الأصولى لدعم «الإرهاب».
لكن العلاقات التركية الإسرائيلية لم
تتوتر لأن أردوجان «إسلامى»، وإنما لأن تركيا، الأكثر استقلالاً، لم تقبل
الصلف الإسرائيلى إزاء الأتراك لا إزاء الفلسطينيين.. فعلى سبيل المثال،
حنثت إسرائيل أولمرت بوعودها لتركيا فى وساطتها بين إسرائيل وسوريا، ثم جاء
نتنياهو ليتجاهل الوساطة بالمطلق، وأولمرت الذى زار أنقرة فى ديسمبر ٢٠٠٩
عاد لبلاده ليشن هجومه على غزة، الأمر الذى اعتبره الأتراك إهانة لتركيا،
ثم لم تتورع إسرائيل عن إهانة السفير التركى لديها قبل أن تقتل مدنيين
أتراكا فى أسطول الحرية،
ولم يكن ذلك التوتر التركى الإسرائيلى
المتزايد بعيداً عن الموقف داخل أمريكا، إذ سرعان ما حرك لوبى إسرائيل
أنصاره فى مجلس النواب لتمرير قرار يعتبر ما جرى للأرمن زمن الدولة
العثمانية إبادة جماعية، ومضمون القرار كان طوال العقد الماضى أداة
استخدمها المحافظون الجدد كلما أرادوا لى ذراع تركيا، لكن لأنه صدر هذه
المرة، ولم ينس الأمريكيون أن تركيا رفضت المساعدة فى غزو العراق،
رغم أن قاعدة أنجرليك التركية باتت
محورية لاحقا لعمل الجيش الأمريكى فى العراق، ثم ازداد التوتر حدة مؤخراً،
بعد أن توصلت تركيا والبرازيل لاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووى رفضته
أمريكا، رغم أنه كان بتنسيق كامل معها وبضوء أخضر من أوباما شخصياً.. ويبدو
أن إدارة أوباما لم تتوقع نجاح تركيا والبرازيل فى مسعيهما ففوجئت
بالاتفاق، بينما هى ليست مستعدة لتحدى الكونجرس فى عام انتخابى.
ولا يعنى هذا أن تركيا تتحرك بمنطق رد
الفعل، فأداء تركيا لا يختلف عن أداء الديمقراطيات الناهضة فى كل مكان من
البرازيل للهند، فتركيا لم تتخذ ما تتخذه اليوم من مواقف دون رؤية
استراتيجية لدوريها الإقليمى والدولى، بذلت جهوداً مضنية لتنفيذها الذى لم
يبدأ إلا بعد أن بنت تركيا نفسها وصارت أولاً صاحبة الاقتصاد رقم ١٦ فى
العالم،
وبعد أن استقلت اقتصادياً، سعت تركيا
لاستقلال قرارها الخارجى، فحلت مشكلاتها مع جيرانها وبنت علاقات إقليمية
ممتازة، وكل هذا هو الذى دعم موقف تركيا الدولى، وسمح لها بأن تزأر فى وجه
من يمس أبناءها، كما فعلت مع إسرائيل بشأن أسطول الحرية، أو من يستهين بها
لحسابات داخلية، كما فعلت إدارة أوباما حين رفضت الاتفاق البرازيلى التركى
أو حين دعمت إسرائيل فى جريمة أسطول الحرية.