يومئذن تعرضون لما تخفى منكم خافيه

هل خلوت يوما بنفسك فتدبرت قوله تعالى في سورة الحاقة (يَوْمَئِذ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ)
لقد تدبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه تدبر الآية الكريمة ( يَوْمَئِذ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) وربط بينها وبين حديث الرسول صلى الله (الكيس ‏الْكَيِّسُ ‏ ‏مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ‏)،فنصح نصيحة يعض عليها بالنواجذ فقال:"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ،فإن أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر ،( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ)."
فكيف يكون العرض الأكبر وكيف نتزين له؟
العرض الأكبر هو ذلك اليوم الذي يشيب من هوله الوليد(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَان شِيبًا(وهو اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).
وهو اليوم الذي تعرض فيه الأعمال عرضا حيا ناطقا فيرى المرء عمله وهو يباشره، ويا لخزيه وهوانه إن كان قد تناسى ذلك اليوم ولم يعد العدة له.( هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
لقد وصف الله عز وجل تسلسل أحداث ذلك اليوم في سورة الزمر فقال تعالى( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ *وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
يقول سيد قطب في تفسير هذه الآيات:"نعم ما قدروا الله حق قدره وهم يشركون به بعض خلقه وهم لا يعبدونه حق عبادته وهم لا يدركون وحدانيته وعظمته وهم لا يستشعرون جلاله وقوته"
ونحن نقول نعم ما قدروا الله حق قدره وهم لا يحكمون شرعه ،( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)
ثم يقول رحمه الله "ها هي الصيحة الأولى تنبعث ، فيصعق من يكون باقيا على سطح الأرض من الأحياء،ومن في السماوات كذلك -إلا ما شاء الله- ولا نعلم كم من الوقت ينقضي حتى تنبعث الصيحة الثانية (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون).
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) أرض الساحة التي يتم فيها الاستعراض ونور ربها الذي لا نور غيره في هذا المقام،( وَوُضِعَ الْكِتَابُ) أي الحافظ لأعمال العباد (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) ليقولوا كلمة الحق التي يعلمون
والشهداء في ذلك اليوم كثير فلا مجال للإنكار والمراوغة.
فأولهم وأعظمهم شهادة هو الله عز وجل حيث يقول جل وعلا في كتابه العزيز: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )
ثانيا: الرسل عليهم السلام ويشهد للرسل رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
ثالثا: الملائكة "الكرام الكاتبين" يقول تعالى في سورة ق (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
رابعا:الجوارح يقول عز وجل(حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
كل هؤلاء الشهود جاءت لتشهد على هذا الإنسان الذي خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وكرمه على كثير ممن خلق وسخر له الكون،وأرسل له الرسل،وأنزل له الكتب،وفتح باب التوبة أمامه وأمهله ما لم يغرغر.
فجاء يوم الحساب ليحاسب على كل شيء ، على عقيدته أولا وعلى علاقاته ثانيا.وتضم هذه العلاقات علاقة الإنسان بخالقه والتي تشمل العبادات،وعلاقته بنفسه والتي تشمل المطعومات والملبوسات ،وعلاقته بغيره والتي تشمل المعاملات والعقوبات ، وهل كان يسير أعماله في الحياة وفق أوامر الله ونواهيه أم لا ؟
ولا تزول قدماه حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علم فيم فعل فيه وعن ماله من أين اكتبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه.
كما أنه يسأل عن الأمانة والمسؤولية لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم(‏أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)
ويسأل حتى عن الكلمة يتفوه بها لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال(‏إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ ‏ ‏خَرِيفًا ‏ ‏فِي النَّارِ)

أما كيف نتزين لهذا اليوم فيكون بأداء الفروض على وجهها الصحيح وترك المحرمات والإكثار من المندوبات والطاعات ،وبالتقوى والمعاملة الحسنة لحديثه صلى الله عليه وسلم(اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )، والإكثار من التوبة والاستغفار فإن الله سبحانه وتعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
سأل الفضيل بن عياض رجلا كبير السن فقال: كم أتى عليك .
قال الرجل: ستون عاما.
قال الفضيل : ستون سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ.
فقال الرجل:إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال الفضيل: أتعرف تفسيره؟تقول إنا لله وإنا إليه راجعون،فمن علم أنه لله عبد وأنه راجع إليه فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول،فليعد للسؤال جوابا.
فقال الرجل:فما الحيلة؟
قال:يسيرة.
قال:ما هي.
قال: تحسن فيما بقي يغفر لك فيما مضى،فإنك إن أسأت فيما بقي،أخذت يما مضى وبما بقي والأعمال بالخواتيم.
نسأل الله أن يحسن خاتمتنا وإياكم وأن يختم لنا بجنات عرضها السماوات والأرض.

اميييييييين
بارك الله فيك
وجزاك كل خير
دمت بطاعة الله

وفيك بارك الرحمن وجزاك بالمثل وأكثر

دمت بحفظ المولى

» تصميم ارجووو النقد منكم
» من منكم يستطيع ان يدخل قلبي...